Baitalhikma Bezzanou
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

Baitalhikma Bezzanou

Baitalhikma
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الغيـــــــــــــــــــــر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
bezzanou
Admin



عدد الرسائل : 44
تاريخ التسجيل : 12/03/2009

الغيـــــــــــــــــــــر Empty
مُساهمةموضوع: الغيـــــــــــــــــــــر   الغيـــــــــــــــــــــر I_icon_minitimeالسبت 11 يونيو - 17:53

الغيـــــــــــــــــــــــر

مدخــل:إن الإنسان من حيث هو شخص ليس معزولا، بحيث لا يستطيع أن يعيش وحيدا في هذا العالم، لأنه وجد ليعيش مع الآخرين، و لأنه في حاجة دائمة إلى الغير، كي يستجيب لحاجاته المتعددة و المتنوعة، و لهذا يعتبر الإنسان كائنا اجتماعيا، و حاجته إلى الغير لا تقف عند التعاون معه، بل يبحث عن الاعتراف به، و على أنه موجود كذلك، إضافة إلى مشاركته في هذا الوجود.إذن، فهذا الوضع يجعل من الحاجة إلى الغير، من الضروريات الأولى التي تفرض نفسها على الفرد. و هذا ما يترجم إلى حاجة الفرد للتواصل مع الغير بوصفها ضرورة ملحة. و من هنا، فهذه الضرورة الوجودية، ترتب عنها تكوين نظرة عن الغير باعتباره إما شبيها للأنا لكونه يشاطرها نفس المشاعر و الآراء و المواقف و التصورات... و ينتمي لنفس الجماعة و اللغة و الدين و الجنس... أو مختلفا عنها لأنه يخالفها في معتقداتها و ثقافتها و حضارتها...
و بناء على ما تقدم، نستنتج أن الغير يحمل معاني متناقضة: فهو شبيه و مختلف عني، قريب و بعيد عني، مألوف و غريب عني، صديق و عدو لي... إنه يعكس صورة مليئة بالتناقضات و الألغاز، صورة تجذبني و تشدني إليها تارة و تثير حيرتي و جزعي تارة أخرى. و هذا ما يثير مجموعة من التساؤلات منها ما يلي: + مادام الغير مفهوما إشكاليا يثير معاني متناقضة، فهل معرفته ممكنة؟ و كيف تتم معرفته؟ و بواسطة أية آلية يمكن معرفته؟ هل بشكل مباشر بقياس ذاته على ذاتي أم بشكل غير مباشر بالتعامل معه كموضوع أم بالتفاعل معه؟
+ و هل هناك من ضرورة لوجود الغير؟ و هل يعتبر الغير ضرورة لوجود الأنا؟ و هل يعتبر وجود الغير شرطا لوجودي أم تهديدا لهذا الوجود؟
+ و أية علاقة(أخلاقية و وجدانية) يمكن إقامتها مع الغير؟ هل هي علاقة صداقة و مودة و إخاء و محبة و تواصل... أم علاقة عداوة و صراع و إقصاء و تهميش و تدمير...
1. وجـــــود الغـــــيــــــــــر: تعود إشكالية الغير، من حيث المفاهيم، في جذورها الفلسفية إلى الفلسفة اليونانية، بحيث أنتجت مفهومي الآخر و الهو هو، في إطار فلسفي أنطولوجي، على أساس مفهومي الوحدة و الكثرة و التطابق و الاختلاف، بحيث يكون كل شيء بالنسبة إلى ذاته هو هو، و يكون بالقياس إلى غيره آخر. و هكذا يتقابل الهو هو كالتفابل بين المادي و اللامادي، و الوجود و العدم... إلاأنها لم تطرح مشكلة الغير بوصفه أنا آخر، لأن التقابل الأساسي في هذه الفلسفة، كان بين الإنسان و العالم من جهة، و بين اليونان و الشعوب الأخرى من جهة ثانية.
* ديكـــــارت: لقد تبلور وعي الذات بفرديتها و خصوصيتها، مقابل الغير، بشكل منظم و متكامل، في فلسفة ديكارت(فلسفة الذاتية)، بحيث قامت على تجربة الشك: ففي فعل الشك يضع"الأنا أفكر" نفسه مقابل العالم و الآخرين، بحيث يعيش عزلة أنطولوجية مطلقة، لأنه لا يحتاج إلى وساطة العالم و الآخرين لمعرفة الذات و التيقن من وجودها. فالأنا أفكر إذن، حقيقة يقينية، لا تقبل الشك، و هي الحقيقة اليقينية الأولى و الوحيدة التي تفرض نفسها على الفكر ببداهة و وضوح. و من ثم يشكل يقين" الأنا أفكر" مرجعا و ضمانا لكل يقين. إن النتيجة المنطقية لفلسفة الذات، هي القول بوحدانية الذات(أنا وحدي موجود). فكل اليقين ضمن هذا الموقف، هو أنني أنا وحدي موجود، أما وجود الغير، فهو افتراضي و استدلالي، قابل للشك، محتمل و جائز.
إذن، إن وجود العالم و الآخرين يظل إشكالا فلسفيا قائما في فلسفة ديكارت، لأنه يشك في وجود ذوات واعية أخرى تحيط به. إذ يقول:" فأنا متأكد فقط بأنني كائن واع لأن وعيي هو ما أستطيع أن أعيشه بشكل مباشر. أما ما أراه من مشاهد بشرية أمامي، فأنا غير متيقن هل هي وهم، خيال أم واقع، حلم أم يقظة". و هكذا تعرف ديكارت عن ذاته لا من خلال الغير و إنما عبر تجربة عزلة وجودية مطلقة، الشيء الذي دعا "شوبنهـــاور" إلى نقده، في قوله التالي:" هذا المجنون سجن الذات في حصن منيع لا يمكنها النفاذ منه".
* هيغـــــل: تجدر الإشارة إلى أن مفهوم الغير بوصفه مفهوما فلسفيا إشكاليا لم يتبلور بشكل واضح إلا مع الفلسفة الحديثة، و بخاصة مع "هيغـــل". و ضد الموقف الديكارتي، شيد هيغـــل فلسفة الوعي، يحتل فيها مفهوم الغير، موقعا مركزيا. إن الوعي ليس كيانا ميتافيزيقيا، يعيش في عزلة عن العالم و الآخرين، إنه شيء يتكون و ينمو و يتجلى انطلاقا من الوجود الطبيعي الحيواني للإنسان: إنه إشباع الإنسان لرغبته في الطبيعة مباشرة، و انحصار إدراكه لذاته في الإحساس المباشر لذاته. لا يكون وعيا مباشرا لذاته: إنه غارق في الحياة العضوية و لا يتجاوزها إلا عندما لا يعود يرغب في شيء طبيعي مباشر، بل يرغب في رغبته أي يسعى إلى الاعتراف به من طرف الآخر. لكن هذا الاعتراف لا يمنح بشكل سلمي و إنما ينتزع عبر الصراع، يخاطر فيه الطرفان معا بحياتهما حتى الموت. لكن الموت لا يحقق هذا الاعتراف و إنما يحققه استسلام أحد الطرفين، بتفضيله للحياة على الموت. و بذلك تنشأ العلاقة الإنسانية الأولى، علاقة السيد و العبد.
إذن، يرى هيغـــل أن انتزاع الاعتراف من طرف الآخر بكوني موجود بالفعل ليس أمرا هينا و إنما يأخذ شكل مواجهة سرسة مع الآخر. بحيث تعمل كل ذات على وعي ذاتها و التعرف عليها، لا بالركون إلى ذاتها و إنما من خلال موضوع غريب عنها أي أن كل ذات ترغب في أن يعترف بوجودها من طرف ذات أخرى تواجهها. و لكن أن يعترف بها كسيد و بالتالي يتم الاعتراف بالذات الثانية كعبد.
* ميرلــوبـونـتــي: يصعب على الفكر العلمي الذي يقدم نفسه كفهم موضوعي للعالم أن يفهم الغير.فالغير ليس مجرد شيء، إنه مزدوج التكوين، فهو جسد و وعي في نفس الوقت. فالعلوم تتطرق للجسم أي للشيء و تعجز عن الوصول إلى الوعي المختبئ داخل اللحم النيئ حسب تعبير ميرلوبونتي. و يقود هذا الوضع المزدوج إلى التمييز بين مكوني الغير: فهو وجود في ذاته(الجسم) و وجود من أجل ذاته(وعي). و تنتج عن هذا الوضع مفارقة صعبة، فلكي أحدد وجود الغير علي أن أتعامل معه كشيء(وجود في ذاته) و كوعي(وجود لذاته). و هذا ما يعجز عنه الفكر العلمي الذي يتميز بالموضوعية، يعجز عن الاعتراف بالغير باعتباره تعددا للوعي. + كيف يمكنه أن يعترف بوجود ما هو متعدد و متغير و لا يخضع للتعميم و التقعيد؟
إذن، يوجد الغير كأنا و كوعي و ليس كجسم أو شيء. و في هذ الصدد يقول ميرلوبونتي:" لا يمكنني النفاذ إليه إلا لكونه أنا، و لأن المفكر و المفكر فيه يختلطان داخل ذلك الغير، فلا مكان للغير و لتعددية الوعي في الفكر الموضوعي...".
* ســارتـــــر: و يبقى أن نشير بحسب سارتـــر أن الآخرين على الرغم من كونهم يشكلون تهديدا لخصوصياتي فإنهم يمثلون وسيطا ضروريا و مرجعا أساسيا لمعرفة ذاتي. فعبر الآخر فقط أستطيع أن أدرك أن لدي وجود موضوعي و واقعي، و عبر الآخر فقط أتمكن من تحقيق معرفة حول ذاتي.
كما أن علاقتي الأنطولوجية بالغير تقودني دائما إلى الرغبة في تجاوزه و التعالي عليه و مفارقته و جعله موضوعا لتأملي الخاص، نفس الرغبة نجدها لدى الغير تجاهي. فالأمر هنا لا يخرج عما سبق ذكره عند هيغـــــل، فهناك منطق صراعي قائم بيني و بين الآخر. و أحد مظاهر الصراع القائمة بيني و بين الغير، يجسدها سارتــر في تجربة النظرة. فالأشخاص الذين أنظر إليهم أقوم بتحويلهم إلى أشياء و إلى موضوعات للدراسة و التقصي. إنهم يصبحون مضطهدين بأحكام القيمة التي أصدرها عليهم، و في الوقت ذاته عندما ينظر إلي شخص فإنني أحس بانزعاج شديد بأن حريتي مهددة من طرف الغير. و يتجلى ذلك بوضوح في كون الإنسان عندما يكون لوحده يتصرف بعفوية و تلقائية و حرية، و لكن ما أن يكون الغير حاضرا حتى تتجمد حركته و أفعاله و تفقد عفويتها و تلقائيتها. فأنا في وضعية خجل و خوف من أن أفقد حريتي، بمعنى أن أصبح موضوعا أو شيئا يتصفحه الغير. و هنا يظل الغير بالنسبة لي هو الجحيم. لكن مع ذلك فإن هذا الصراع يبقى ضروريا من أجل أن تحقق الأنا وعيا بذاتها بوصفها ذاتا حرة و متعالية و تلقائية.
2. مـــعـــرفـــــة الـــغــــيـــــر:تتراوح معرفة الغير بين الإمكان و الاستحالة. فإذا انطلقنا من الغير كذات منغلقة فلا يمكن آنذاك معرفته. لكن إذا انطلقنا من الغير كعنصر داخل الجماعة فيمكن آنذاك معرفته. لكن طبيعة هذه المعرفة تظل موضع شك.
* ســـارتـــر:"الغير هو الآخر، الأنا الذي ليس أنا"، و الغير مخالف للأنا و مشابه له في نفس الوقت: اعتمادا على حجة"تحليل لغوية" تتمثل في تفسير كلمة"ليس"، يستنتج سارتـــر أن هناك عدما و انفصالا و تباعدا بين الأنا و الغير، و هو ما يجعل معرفة بعضهما البعض غير ممكنة.
إن إدراك الأنا للغير هو إدراك إمبريقي أي إدراك يقف عند مستوى الجسم و ما هو ظاهري، يصبح معه الآخر مجرد موضوع أو شيء، و هو ما يحول دون النفاذ إلى أعماق ذاته و تحصيل معرفة بها. و اعتمادا على "الحجة بالمماثلة"، المتمثلة في تشبيه العلاقة بين الأنا و الغير بالعلاقة المكانية الموجودة بين شيئين، ينتهي سارتر إلى أن العلاقة بين الأنا و الغير هي علاقة تشييئية مادام كلا منهما يتعامل مع الآخر فقط كجسم أو كموضوع أو كشيء لا تربطه به أية علاقة.
هكذا ينتهي سارتر إلى استنتاج أساسي هو أن العلاقة بين الأنا و الغير هي في أساسها علاقة خارجية و انفصالية، ينعدم فيها التواصل بينهما مادام يعامل بعضهما البعض كشيء و ليس كأنا آخر. و في الأخير ينتهي سارتر إلى نتيجة اعتبرها خطيرة و هي: إذا كانت علاقتي بالغير علاقة عدمية، خارجية، انفصالية و تشييئية، فإن حضور الغير أو غيابه لا يؤثر في وجودي. كما يشير إلى أن الأنا لا يدرك الغير كما هو في ذاته، بل يدركه كما يتبدى له ضمن حقل تجربته الخاصة، و هذا يعني أن نظرة الأنا إلى الغير هي نظرة اختزالية و إسقاطية، فضلا عن أنها نظرة سطحية ترتكز على "كثرة متنوعة من الانطباعات الحسية"، و لا تنفذ إلى أعماق الغير من خلال الاقتراب منه و التعاطف معه.
* مالبرانــــــــش: الغير هو عالمه الداخلي الروحي النفسي و ليس جسمه. لذلك لا يمكن أن نعرفه عن طريق العقل و الوعي لاختلافه عني. و إذا افترضنا أن نفوس الآخرين و عقولهم تشبه نفوسنا و عقولنا و استنتجنا من ذلك أن ما نشعر به هو ما يشعرون به أي عبر المماثلة فإننا سنرتكب خطأ كبيرا. لذلك لا يمكن للذات أن تعتبر نفسها مقياسا لمعرفة الغير.
إذن، لا يمكن معرفة الغير، نظرا لاختلاف تجارب و خبرات الأنا و الغير. و لهذا لا يمكن أن يشكل الأنا منطلقا لمعرفة الغير، و بالتالي فالأنا ليس مقياسا لمعرفة الغير بحكم اختلاف تجاربهما. لذا فم الخطأ الاعتماد على إحساساتنا التي نكونها عن أنفسنا لمعرفة الغير.
* مــيـرلــوبــنــتــي: أعرف الغير عبر سلوكه(مثل الحزن و الغضب) كما تظهر على جسده بشكل خارجي، عبر يديه و وجهه، لأنني لا يمكن أن أنفذ إلى تجربته الداخلية. لهذا لا يمكنني أن أعتبر هذه السلوكات الخارجية أساسا لمعرفة الغير، لأن الغير لا يختزل في سلوكاته الخارجية. فأنا أدرك حزنه كما يظهر على جسده، إلا أن حزنه ليس هو مظهر حزنه، كما أن معنى حزنه عنده ليس هو معنى حزنه عندي. فهو يعيش حزنه، بينما أنا أشاركه الحزن الذي يعيشه، هو يحزن لسبب محدد، بينما أنا أحزن لحزنه. فنحن مختلفان، لكن ما يجمعنا هو المشترك، التجربة المشتركة، و هي ليست وضعيته و لا وضعيتي و إنما وضعية ثالثة.
إذن، من المستحيل معرفة الغير معرفة تامة، لأن الأنا يختلف عن الغير الذي ينفرد بخصوصيته و تميزه. لكن الأنا قد يشارك الغير في بعض السلوكات و الظواهر، و لكنهما يختلفان في الوضعيات: وضعيات مستحضرة بالنسبة للأنا و هي في نفس الوقت وضعيات معيشة بالنسبة للغير. أي أنها وضعيات غير متماثلة. و إذا كان الأمر هكذا، فإن معرفة الغير غير ممكنة. و لذلك فإن الإمكانية المتاحة لمعرفة الغير هي بناء وضعية مشتركة للتواصل بين الأنا و الغير.
* مــاكــس شــيـــلــــر:إن معرفة الغير تقتضي النظر إليه ككل موحد، كوحدة كلية، لا تقبل التقسيم إلى ظاهر و باطن، إلى نفس و جسم... لأن حقيقته و هويته متجسدتان فيه كما يظهر و يتجلى للأنا. إن أول ما تدركه من الناس، ليس هو أجسادهم و لا أفكارهم و نفوسهم بل أول ما ندركه منهم هو مجموعات لا تنقسم، و لا نسارع إلى تجزيئها إلى شطرين، أحدهما مختص للإدراك الداخلي و الآخر للإدراك الخارجي. و الواقع أن هذين المحتويين يتعلق أحدهما بالآخر تعلقا جوهريا.
3. الــعــلاقــــة بالـــــغــــيــــر:إن العلاقة بالغير أغنى و أعقد من أن تختزل في علاقة معرفية، لأن الأنا لا يوجد إلا بوجود الغير، و لا يعي ذاته إلا بحضوره و بالتالي فالعلاقة المعرفية التي يمكن أن تنشأ بين الطرفين ليست سوى بعدا من أبعاد العلاقة المعيشية معه. كما أنها تختلف باختلاف الأغيار، فتنشأ عنها علاقة إيجابية تتحدد في الصداقة و الود و الاحترام أو علاقة سلبية يسودها العداء و التهميش و الصراع...
* كــــانــــــط: فمن خلال الفلسفة الأخلاقية، يؤكد كانـــط على أن العلاقة التي يمكن أن تجمع بين الأنا و الغير تتأسس على الصداقة باعتبارها قيمة مثلى و واجبا أخلاقيا، خالية من أية منفعة مباشرة، ترتكز على مبادئ أخلاقية و عقلية، ذاتية و كونية. إنها علاقةإنسانية نبيلة تجمع بين مشاعر الحب و الاحترام المتبادل بين شخصين. إن الصداقة حسب كانـــط، تفترض الجمع بين قوتين يصعب الجمع بينهما، الحب باعتباره قوة جذب و الاحترام بوصفه قوة دفع. و من هنا تصير الصداقة واجبا أخلاقيا أساسه العناية المتبادلة بين الطرفين. و تقوم على الحب و الاحترام و ترقى بها نحو علاقة إنسانية راقية، خالية من أية منفعة كيفما كانت.
* أرســــــطــــــو: إن الصداقة كواقع معيش، تقوم على الأقل، على ثلاثة أنواع هي: صداقة المنفعة، و صداقة المتعة، و صداقة الفضيلة. و يرى أرسطو أن النوعين الأولين، متغيران، زائلان، يزولان بزوال المتعة و المنفعة. و لذلك لا يستحقان اسم الصداقة. لأن الصداقة الحقيقية و الحقة هي صداقة الفضيلة، لأنها تقوم على محبة الخير و الجمال لذاته أولا ثم للأصدقاء ثانيا، و لذلك تدوم و تبقى، كما أن هذه الصداقة تحقق المنفعة و المتعة أيضا، إلا أنها ليست كغايتين بل كنتيجة لها. و في هذا الصدد يقول:" الصداقة فضيلة... فهي ضرورية... للحياة: فبغير الأصدقاء، لا أحد يريد العيش، حتى و لو كان ينعم بكل الخيرات... إنها رائعة...". و أكثر من ذلك، يرى أم إقامة صداقة الفضيلة، قد يعفي الاجتماع البشري من القوانين و التشريعات...
* ج. كــــريـــسـتــيــفــا:إن وحدة الجماعة في نظر كريستيفا، ليست في الحقيقة سوى مظهر عام، لأننا عندما ندقق النظر فيها ينكشف لنا أن الجماعة بحكم اختلافها و تناقضاتها الداخلية تحمل غريبا في ذاتها و بالتالي ليس المختلف عنا" هو ذلك الدخيل المسؤول عن شرور المدينة كلها... و لا ذلك العدو الذي يتعين القضاء عليه لإعادة السلم إلى الجماعة...". إن الغريب على حد تعبير كريستيفا"يسكننا على نحو غريب". كما أن اختزال الغريب في من يملك مواطنة البلد الذي يقيم فيه، أمر سطحي.
فالجماعة تضم غرباء في داخلها قبل أن يأتي الغريب الخارجي، المغاير ثقافيا و عرقيا و حضاريا... و هو ما يفيد التعامل مع الغير بمنطق الهوية المنفتحة على اعتبار ثقافة الغير تغني ثقافتي، كما أن تعدد الثقافات إغناء للتجربة الإنسانية. و بالتالي فتصور كريستيفا هذا، يطرح قضية الانفتاح و التلاقح الثقافيين، كما سيؤكد ذلك لاحقا ستــروس.
* ســـتــــــراوس:إن التنوع الثقافي يعكس التنوع و الاختلاف و التعدد في المعتقدات و قواعد السلوك و اللغة و القانون و الفنون و العادات... فكل مجتمع يسعى إلى الحفاظ على هويته و ما يميزه و يعطيه خصوصيته و استقلاله عن باقي الثقافات الأخرى، و أن يتم احترام هذا الاختلاف الثقافي بين الشعوب. كما يقتضي الأمر الانفتاح على مختلف الثقافات الأخرى، لأن الانغلاق يعرض كثيرا من الثقافات إلى التراجع و الاضمحلال و الزوال.
إن التشبث بالهوية و الخصوصية، لا يعني الانغلاق و التقوقع، فمعظم المجتمعات تعمل على الانفتاح على الثقافات الأخرى في إطار التعايش و التثاقف و الحوار و الحق في الاختلاف، إنها تدمج داخلها مجموعة المعارف و التقنيات و الأفكار... و هذا لا يتحقق إلا عن طريق تواصل هذه المجتمعات و تعايشها و انفتاح بعضها على بعض، على أساس لا ينكر حق الشعوب في التمتع بثقافتهم و الحفاظ على تراثهم. و هذا هو السبيل الوحيد كي تضمن الشعوب و المجتمعات بقاءها و استمرارها، لأن منه تستمد غناها و قوتها.
* ألــكــســنــدر كــوجــيــف:لقد بين كوجيف، كيف كان هيغل يحدد العلاقة بين الأنا و الغير، في إطار"جدل السيد و العبد"، و ذلك لما أكد أن الطبيعة البشرية في أصلها تدفع إلى الصراع حتى الموت. و بما أن هذا الصراع يهدد الوجود الإنساني لكونه يقود حتما إلى انقراض النوع البشري، يكشف نوعا من الوعي بالذات الذي يقود مبدئيا إلى أن يدرك الإنسان نفسه كموجود لذاته. و ذلك ما يحتم على الفرد أن ينتزع اعتراف الآخر. هكذا يدخل كل من الأنا و الغير في صراع إلى أن يكون أحد الطرفين منتصرا و الآخر منهزما، فيبقى المنتصر على حياة المنهزم لينتزع اعترافه، و ذلك بتحويله إلى وسيط بينه و بين الطبيعة، و يفضل المنهزم أن يظل في خدمة المنتصر بدل الموت. فالانتصار، إذن، يحول أحدهما إلى سيد و الهزيمة تحول الآخر إلى عبد، ذلك ما يسمح بظهور شكلين من الوعي: أحدهما وعي مستقل و الآخر وعي تابع.
إذن، إن العلاقة بين الأنا و الغير تتأرجح بين الحب و الود و الاحترام و التفاهم من جهة، و بين التهديد و التهميش و الإقصاء و الصراع... من جهة ثانية. و من ثم لابد من إشاعة مفاهيم الصداقة التي تذيب الاختلاف و التباين و توثق علاقة الإنسان ليس بالمعنى الضيق، بل بمعنى أوسع يتأسس على علاقات الحوار و التسامح و الاحترام و الانفتاح... بين أفراد الوسط المجتمعي، بدل الانغلاق و الغربة و الحذر و السعي نحو التدمير و الاقصاء و التهميش و اللامبالاة...

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://baitalhikma.rigala.net
 
الغيـــــــــــــــــــــر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
Baitalhikma Bezzanou :: الثانية باك-
انتقل الى: