" كلما أجلنا الفكر لنعرف كيف يجب علينا أن نفعل كلمنا صوت من داخلنا و قال: هذا واجبك. وإذا ما أخللنا بهذا الواجب الذي قدم لنا على ذلك الشكل، قام نفس الصوت فكلمنا و احتج على ما فعلنا. و لما كان ذلك الصوت يكلمنا بلهجة الأمر و النهي، فإننا نشعر شعورا عميقا بأنه لابد صادر عن كائن أرفع منا شأنا، و لكننا لا نستطيع أن نتبين بوضوح من يكون هذا الكائن و لا ما هو. و لذلك نسبه خيال الشعوب إلى شخصيات متعالية، أرفع شأنا من الإنسان، أضحت موضع عبادة، إذ العبادة ما هي آخر الأمر، إلا الشهادة الظاهرة على النفوذ الذي نقر به لهم، و بذلك استطاعت الشعوب أن تجد تفسيرا لهذا الصوت العجيب الذي لا تشبه نبرته النبرة التي بها ينطق صوت البشر. و قد أصبح واجبا علينا نحن أن ننزع عن هذا التصور علالة الأشكال الأسطورية التي تلفع بها خلال عصور التاريخ و أن ندرك الحقيقة وراء الرمز. و هذه الحقيقة هي المجتمع. إذ المجتمع هو الذي وضع فينا عند تربيتنا تربية أخلاقية هذه المشاعر التي تملي علينا سلوكنا إملاء أو التي ترد الفعل بقوة إذا ما فرضنا الانصياع لأوامرها. فضميرنا الأخلاقي صنعتها و المعبر عنها، فإذا ما تحدث ضميرنا كان المجتمع هو المتحدث فينا. غير أن اللهجة التي بها يكلمنا هي أحسن دليل على النفوذ المتميز الذي يتمتع به. فالواجب هو الأخلاق من حيث هي تأمر و تنهى، و هو الأخلاق و قد تمثلت سلطة علينا أن نطيعها لأنها سلطة و لأنها كذلك فحسب. أما الخير، فهو الأخلاق و قد تمثلت شيئا حسنا، يجتذب الإرادة، و يثير ما في الرغبة من التلقائية. و لئن كان من اليسير أن نتبين أن الواجب هو المجتمع من حيث يفرض علينا قواعده، و يضبط الحدود لطبيعتنا، فإن الخير هو المجتمع و لكن من حيث هو حقيقة أثرى من حقيقتنا، و لا نستطيع التمسك به دون أن ينتج عن ذلك إغناء لكياننا".
حلل النص و ناقشه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ